وهناك العديد من الاسباب التى ادت الى ذلك ومن اهمها :
ضعف البصيرة بحقيقة الدينوليس معناه الجهل المطلق بالدين، فهذا في العادة لا يفضي إلى غلو وتطرف، بل إلى نقيضه، وهو الانحلال والتسيب، إنما يعني به: نصف العلم، الذي يظن صاحبه به أنه دخل في زمرة العالِمين، وهو يجهل الكثير والكثير، فهو يعرف نتفاً من العلم من هنا وهناك وهنالك، غير متماسكة، ولا مترابطة، يُعنى بما يطفو على السطح، ولا يهتم بما يرسب في الأعماق، وهو لا يربط الجزئيات بالكليات، ولا يرد المتشابهات إلى المحكمات، ولا يحاكم الظنيات إلى القطعيات، ولا يعرف من فنون التعارض والترجيح ما يستطيع به أن يجمع به بين المختلفات، أو يرجح بين الأدلة والاعتبارات
والحق أن نصف العلم ـ مع العجب والغرور ـ يضر أكثر من الجهل الكلي مع الاعتراف، لأن هذا جهل بسيط، وذلك جهل مركب، وهو جهل من لا يدري، ولا يدري أنه لا يدري، ولهذا مظاهر عديدة عند هؤلاء،
ومنها :
الاتجاه الظاهري في فهم النصوص
والاشتغال بالمعارك الجانبية عن القضايا الكبرى
ومن دلائل عدم الرسوخ في العلم، ومن مظاهر ضعف البصيرة بالدين: اشتغال عدد من هؤلاء بكثير من المسائل الجزئية والأمور الفرعية، عن القضايا الكبرى التي تتعلق بكينونة الأمة وهويتها ومصيرها، فنرى كثيراً منهم يقيم الدنيا ويقعدها من أجل حلق اللحية أو الأخذ منها أو إسبال الثياب، أو تحريك الإصبع في التشهد، أو اقتناء الصور الفوتوغرافية أو نحو ذلك من المسائل التي طال فيها الجدال، وكثر فيها القيل والقال.
هذا في الوقت الذي تزحف فيه العلمانية اللادينية، وتنتشر الماركسية الإلحادية، وترسخ الصهيونية أقدامها، وتكيد الصليبية كيدها، وتعمل الفرق المنشقة عملها في جسم الأمة الكبرى، وتتعرض الأقطار الإسلامية العريقة في آسيا وأفريقيا لغارات تنصيرية جديدة يراد بها محو شخصيتها التاريخية وسلخها من ذاتيتها الإسلامية، وفي نفس الوقت يذبح المسلمون في أنحاء متفرقة من الأرض، ويضطهد الدعاة الصادقون إلى الإسلام في بقاع شتى
.
الإســـــراف في التحــــريم
ومن دلائل هذه الضحالة، وعدم الرسوخ في فقه الدين، والإحاطة بآفاق الشريعة: الميل دائماً إلى التضييق والتشديد والإسراف في القول بالتحريم، وتوسيع دائرة المحرمات، مع تحذير القرآن والسنة والسلف من ذلك.
وحسبنا قوله تعالى: ((ولا تقولوا لِما تصف ألسنتكم الكذب: هذا حلالٌ وهذا حرامٌ، لِتفتروا على الله الكذِب إنّ الذين يفترون على الله الكذِب لا يُفلِحون )) [النحل:116
].
وكان السلف لا يطلقون الحرام إلا على ما علم تحريمه جزماً، فإذا لم يجزم بتحريمه قالوا: نكره كذا، أو لا نراه، أو نحو ذلك من العبارات، ولا يصرحون بالتحريم، أما الميالون إلى الغلو، فهم يسارعون إلى التحريم دون تحفظ، بدافع التورع والاحتياط، إن أحسنا الظن، أو بدوافع أخرى، يعلم الله حقيقتها ومثل ذلك قضية تقصير الثوب الذي التزمه كثير من الشباب المتدين، رغم ما جر عليهم من متاعب أسرية واجتماعية، بدعوى أن لبس الثوب إذا زاد عن الكعبين، فهو حرام، وحجتهم الحديث الصحيح؛ ما أسفل من الكعبين فهو في النار والأحاديث التي جاءت بالوعيد الشديد لمن يسبل إزاره، ومن يجر ثوبه
.
ولكن هذه الأحاديث المطلقة قد قيدتها أحاديث أخر، حصرت هذا الوعيد فيمن فعل ذلك على سبيل الفخر والخيلاء، والله لا يحب كل مختال فخور اتباع المتشابهات وترك المحكمات
ولابد لنا أن نشير هنا إلى سبب أساسي وراء الغلو والانحراف في فهم الدين قديماً وحديثاً، وهو: اتباع المتشابهات من النصوص، وترك المحكمات البينات، وهذا لا يصدر من راسخ في العلم، إنما هو شأن الذين في قلوبهم زيغ ((فيتّبعون ما تشابه مِنه ابتِغاء الفتنةِ وابتِغاء تأويله )) [آل عمران:7 ].
والمقصود بالمتشابه: ما كان محتمل المعنى، وغير منضبط المدلول، والمقصود بالمحكم: البين المعنى، الواضح الدلالة، المحدد المفهوم
.
فترى الغلاة والمبتدعين من قديم يجرون وراء المتشابهات، يملئون بها جعبتهم، ويتخذون منها عدتهم، معرضين عن المحكمات وهي التي فيها القول الفصل، والحكم العدل
وانظر إلى غلاة اليوم تجدهم يعتمدون على المتشابهات في تحديد كثير من المفاهيم الكبيرة التي رتبوا عليها نتائج خطيرة، بل بالغة الخطر، في الحكم على الأفراد والجماعات، وتقويمهم، وتكييف العلاقة بهم من حيث الولاء والعداء، والحب والبغض، واعتبارهم مؤمنين يُتولّون، أو كفاراً
لا تأخذ العلم من صُحُفي ولا القرآن من مصحفي فهؤلاء الشباب
لا يسمعون لمن يخالفهم في الرأي، ولا يقبلون الحوار معه، ولا يتصورون أن تتعرض آراؤهم للامتحان، بحيث توازن بغيرها، وتقبل المعارضة والترجيح
.
وكثير منهم لم يتلق العلم من أهله وشيوخه المختصين بمعرفته، وإنما تلقاه من الكتب والصحف مباشرة،او من شيوخ المساجد قد يكون الشيخ مؤهل للأمامة بالناس ولكن ليس مؤهل للأفتاء فلا يصح له التحريم او الافتاء دون أن تتاح له فرصة المراجعة والمناقشة والأخذ والرد، واختبار فهمه ومعلوماته ووضعها على مشرحة التحليل، وطرحها على بساط البحث... ولكنه قرأ شيئاً وفهمه واستنبط منه، وربما أساء القراءة، أو أساء الفهم، أو أساء الاستنباط، وهو لا يدري
و قد يستغل بعض ضعاف النفوس هؤلاء الشباب وتوجيههم الى الغلو والتشدد حسب رغباتهم الشخصيه